شاهد مقطع الفيديو في الأخير...
الحقيقة التي وجب قولها والتسليم بها هي إن لا "عبد الرحمان ميرة" ولا "عميروش" كانت لهم يد في جريمة بني يلمان (وليس أم اللوزة) التي جرت وقائعها في 28 ماي 1957. لأن الأول - حسب نجله - كان متواجدا بتونس مثله مثل عميروش، وهذا الأخير هو الآخر وجهت له أصابع الإتهام فيما بعد بارتكاب مجزرة في حق سكان المنطقة.
اسماعيل ميرة الذي كتب ذات يوم قائلا:"من الناس من ينسب أحداث قضية بني يلمان إلى العقيد محمدي السعيد قائد الولاية الثالثة يومها، ومنهم من ينسبها إلى النقيب أعراب، ومنهم من يُحمّل مسؤوليتها كاملة والدي عبد الرحمان ميرة ذلك ما اطلعت عليه في كتاب *أسطورية مغازين* المجلد 227 من صفحة 1030 إلى صفحة 1037، وذلك أيضا ما كتب على ظهر صوره، التي أخذت له حين أزهقوا روحه، والتي ما زالت موجودة بالمكتبة الوطنية بـباريس ولديّ الآن نسخ منها حيث ورد فيها بالحرف الواحد العبارات التالية: ها هي ذي جثة رئيس المتمردين مسؤول مذبحة ملوزة (بني يلمان)".
والملاحظ هو أنه إذا تأكد قطعا أن فرنسا الاستدمارية هي من وجهت التهمة لـ"ميرة" فإن من وجه التهمة لـ"عميروش" كان العقيد محمدي السعيد نفسه!!..وهذا هو وجه الغرابة، لأن اتهام "ميرة" قد يعود لتشابه اللقب بينه وبين شخص آخر، بحيث تؤكد إحدى التقارير التي بين يدينا مشاركة شخص يدعى "عمر ميرة" في العملية وهو على رأس مجموعة مكوّنة من 50 جنديا.
وبالعودة إلى روايات عقيد الولاية محمدي السعيد، نجد بأن "اسماعيل ميرة" أطلّ علينا برواية جديدة تضاف لسابقاتها من الشهادات التي أدلى بها قائد الولاية، وهي "أول ما فكرت فكرت بلي الاستعمار اللي دارها..".
(للاطلاع على شهادات وروايات محمدي السعيد أنظر الرابط)..
وفور سماعه بالنبأ (أي محمدي) طلب من النقيب أعراب بأن يوافيه بتقرير يخبره فيه بحقيقة ما وقع ببني يلمان، وعند عودة هذا الأخير قال بمايلي: الملازم الباريكي هو المسؤول الوحيد الذي يتحمل المسؤولية..!! وهو ما تطابق مع تحقيق الرائد "عميروش" عندما طلبت لجنة التنسيق والتنفيذ تقريرا رسميا.
ما يلفت الانتباه في هذا هو أن العقيد - الذي إدعى عدم علمه بما وقع بمشتى اللقصبة إلا وهو في أعالي منطقة القبائل عند اطلاعه على الجرائد والصحف - كانت قد مورست عليه ضغوطا من النقيب أعراب من أجل (معاقبة) بعض العائلات في مشتى القصبة..!! هنا نفتح قوسا ونطرح سؤالا لماذا لم يكتفي محمدي بإرسال التقرير الذي أعده النقيب أعراب إلى لجنة التنسيق والتنفيذ عندما طلبت منه ذلك!؟ وهذا الأخير قلنا في أكثر من مناسبة بأنه اللغز الذي ستفك به خيوط الجريمة. فبعد التحقيق الذي قام به مجموعة من ضباط الولاية بتكليف من عميروش تم استدعاء أعراب إلى غابة ثامقوط وهناك قال: بأنه نفذ أوامر القيادة العليا!!!
والشيئ الذي حاول "اسماعيل ميرة" أن يعمل على تفنيده وراح يؤكد على أنه غير صحيح بالمرة هو أنه في حال ما إذا اعطى العقيد محمدي الأوامر بالقتل فإن ذلك سيمس المعنيين وليس لمن هم في سن الـ 12 فما فوق، وحجته في ذلك هو أن الرجل مُتَديّن ولهذا أرادوا إلصاق به هذه التهم (اقلع جذور الخائنين) [ثم اختتم بقهقهة!!]
وجوابي: لنسلم أن ما قال به "اسماعيل" صحيح تماما فلماذا نجد التناقضات والارتباك الحاصل في كل ما أدلى به قائد الولاية!؟
وأما قتل المعنيين فقط فهنا نريد توضيح ما إذا كان يُقصد بأنهم كانوا حركى وعملاء في صفوف القوات الفرنسية أم أنهم مسلحين في صفوف جيش الحركة الوطنية؟ لأن كل الضحايا ودون استثناء بداية من سن 12 (منهم ديقش محمد، ولجدل بن سعيد..) فما فوق (وعددهم يتجاوز الـ 300 ضحية) كانوا أناسا عزلا. إذا لو ذهبنا مع الطرح الأول بأنهم كانوا حركى وعملاء فهذا يكذبه الواقع فضلا عن الدليل المادي الذي يثبت صحة هذا الادعاء. ففي يوم تنفيذ العملية كان الطيران الفرنسي يحلق فوق رؤوس منفذي الجريمة، بينما القوات الفرنسية بقيادة النقيب غامبيط قائد مركز الصاص بأولاد ثاير (بن داود - برج بوعريريج) كانت متمركزة بالقرب من مسرح الجريمة دون أن تحرك ساكنا بالرغم من طلب النسوة والأطفال النجدة. مع العلم أن مركز الصاص المذكور كان به حركى وعملاء مسلحين من عدة قرى ومداشر باستثناء منطقة بني يلمان. وأما إذا كان يقصد به الطرح الثاني فهنا لا بد من وقوع معركة بين الرجال المسلحين من بني يلمان في صفوف المصاليين وبين جنود جبهة التحرير وبذلك يكون هناك ضحايا من الطرفين مثلما وقع بالمنطقة في نهاية عام 1956، وقبلها في مناطق متعددة بمنطقة القبائل. وإذا ما تم ابادتهم بسبب أنهم متعاطفين مع التيار المصالي هنا وجب ابادة جلّ قرى ومداشر منطقة القبائل التي وقفت في صف مصالي قبل بداية الثورة وبعد اندلاعها..
الذي نؤكده هنا هو أن محمدي السعيد (المُتديّن) الذي اعتبر سكان بني يلمان كفارا (غير مسلمين) يجهل تفاصيل الجريمة التي تم استدراج ضحاياها باسم الاسلام والجهاد ليلقو مصيرهم بتلك الوحشية - التي لا نظير لها - في بيت من بيوت الله (مسجد القصبة) أمام مرأى وأنظار القوات الفرنسية. فبدلا من اقتلاع جذور الخائنين الذين كانوا متواجدين في مركز الصاص بالقرب من المكان راح الجنود باقتلاع جذور الوطنيين الذين يشهد لهم التاريخ بأنهم وقفوا مع مقاومة الأمير وبوبغلة والمقراني...ضد المُحتل الغاصب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق