ردا على ما ورد في مذكرة لنيل شهادة ماستر (تاريخ الجزائر حديث ومعاصر)، بعنوان "السياسة العسكرية الفرنسية في الولاية الثالثة التاريخية (1830 - 1960)" للطالبة: صيدون رابعة، جامعة محمد بوضياف - المسيلة، 2017 - 2018.
في الفصل الأول، من المبحث الثالث، تناولت الطالبة قضية بني يلمان، المعروفة بـ"حادثة ملوزة"، التي وقعت يوم 28 ماي 1957، حيث لم تكلف الطالبة نفسها عناءا على الأقل للاجتهاد والبحث عن الحقيقة التي راح ضحيتها أزيد من 300 شخص في يوم واحد، بينهم أطفال ومجانين ومكفوفين ومرضى وفلاحين..لا أن تركب موجة الجلادين المزورين، بداية من الأسباب وصولا إلى نتائج هذه الجريمة، لكنها اكتفت بتركيب عبارات بعضها فوق بعض، وحشو الجملة تلوى الأخرى، ضاربة كل اعتبار عرض الحائط للهدف المنشود، وهو الحقيقة التاريخية لا غير.1/ تحت عنوان "نشاط الحركة الوطنية الجزائرية (MNA) بالولاية الثالثة" ركزت الطالبة وإن باقتضاب على سبب تأسيس "مصالي
الحاج" لحزب (MNA) وتمركز بلونيس ببني يلمان دون أن تذكرالمناطق التي كان يترددها بالمنطقة، منها قريتها (الصمة)، وهذا لكي تجد مبررا ومسوغا للجريمة. لقد اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ إنشاء وتأسيس حزب الحركة الوطنية الجزائرية (MNA)، حيث يذكر "محمد تقية" أن الحزب تأسس في مارس 1955، وهناك من يذكر أنه تم تأسيه في شهر نوفمبر 1954، بعد حل السلطات الفرنسية لحزب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية (MTLD)، بينما يقول "محمد يوسفي" أن الحزب أنشأ بعد مؤتمر هورنو ببلجيكا 13 - 15 جويلية 1954، وقد حدد المؤرخ بنيامين ستورا تاريخ إنشاء الحزب نهاية شهر ديسمبر 1954، أما الدكتور عامر رخيلة فيذكر أنه في الفاتح ديسمبر 1954، وفي هذا يقول المؤرخ محمد العربي الزبير أن هناك فعلا إختلاف كبير بين المؤرخين فيما يتعلق بظهور (MNA)، حيث أن بعض الكتابات ترجع تاريخ الإنشاء إلى ما بعد ميلاد جبهة التحرير الوطني (FLN) دون أن تتفق على يوم واحد، الأمر الذي جعلنا اليوم نقف في حيرة أمام ضرورة الإختيار بين اليوم الثاني من نوفمبر أو الـ 25 من ديسمبر 1954، أو شهر مارس 1955.
في محاضرة بمناسبة الذكرى 64 لإنشاء حزب الشعب الجزائري (PPA) أكد الدكتور رابح بلعيد أن (MNA) تأسست كرد فعل بعد حل (MTLD) من طرف فرنسا سنة 1954 وإعتقال "مولاي مرباح" وأغلب المسيرين. ويقول الأستاذ سعدي بزيان "إن الغريب في الأمر أن كلا من جبهة التحرير والوطني والحركة الوطنية تلتقيان نظريا في الدعوة إلى الاستقلال". ولا شك أن الصراع بينهما كان الحلقة الأكثر مأساوية في تاريخ الثورة. فقد وقعت عدة اشتباكات ومعارك بالولاية الثالثة التاريخية، بين عامي 1955 و 1956، بين جيش التحرير الوطني وجيش الحركة الوطنية، في: البويرة، ذارع الميزان، واضية، صدوق، ڨنزات، ڨرڨور، بني بوعدو، أملولين، عين بسام، منرڨيل، زمورة، مقنين ببرج أخريص، بني يعلى بسطيف، وغيرها، ويذكر المؤرخ محمد حربي أن هذه المعارك كانت تجري أمام أعين الجيش الفرنسي الذي كان ينتظر من المنتصر وينقضّ عليه. يقول الدكتور إبراهيم لونيسي أن فرنسا حاولت قدر المستطاع استغلال هذه الصدامات والمواجهات خدمة لمصالحها الخاصة وذلك بتشجيعها. وقد جاء في تقرير المكتب الثاني في ربيع 1956 بأن الحقد الأعمي الموجود بين الطرفين (FLN) و(MNA) يستحق أن يلفت انتباهنا، وأنه من مصلحتنا أن نضيف الزيت على هذه النار. وليس كما نقلت الطالبة من أنه "يجب إستغلال الحركة الوطنية في صب الزيت على النار، أي جعل الحركة مناوئة لنشاط الثورة" (أنظر الصور: صفحة 27 - 28).
2/ ومما جاء في مذكرة الطالبة "المطلب الأول: حادثة ملوزة 28 ماي 1957م"، هو أن محمد بلونيس تمركز خاصة بالمسيلة وبالضبط
في دوار بني يلمان، حيث استطاع أن يجعلها مركزا لنشاطه، وأن جنود (MNA) استطاعوا أن يخدعوا الأهالي للانظمام في صفوفهم على أساس أنهم جيش التحرير الوطني. وحقيقة الأمر لا يستطيع عاقل إنكار أن بلونيس وجيش الحركة الوطنية انسحبوا إلى المنطقة بعد معركة بني يعلى (سطيف) شهر أفريل 1956، وتمركزوا بمثلث أولاد ثاير (بن داود) وملوزة (ونوغة حاليا) وبني يلمان (مشتى القصبة)، ومن أهم المناطق التي كان يتردد عليها بلونيس وتدفع له الاشتراك المذكور: ملوزة (ونوغة حاليا) التي كان نحو 30 رجلا منضوي تحت لواءه، وهم من ساعد على تدمير المدرسة الفرنسية شهر ماي 1956، كما قام بلونيس بإلقاء خطاب شهير بجامع أولاد مسلم. والصمة (قرية الطالبة)، وأولاد طريف، وأولاد ضاعن، وأولاد عنان، والخراشيش، وأولاد مسلم، وأولاد تواتي، والخرابشة، وغيرها من المناطق المحيطة ببني يلمان، والسؤال: لماذا لم يعدم جيش التحرير الوطني هذه القرى والمداشر!؟ بل لماذا لم يُقدم على مهاجمة مركز الـSAS بأولاد ثاير الذي به حركى من كل القرى والمداشر المحيطة به، باستثناء بني يلمان!؟
أما قول الطالبة أن محمدي السعيد أعطى أوامره بمهاجمة بني يلمان، بعد أن توجه الملازم "سي محمود معمر" إلى بني يلمان من أجل توعية الأهالي وكشف حقيقة بلونيس ومطاردة فلوله في قرية ملوزة وأهل الواد (ونوغة حاليا)، وعلى إثر هذا وقع صدام مع قوات العدو الفرنسي التي كانت تقوم بعملية تمشيط واسعة، ونشبت معركة دامت يوما كاملا ما اضطر المجاهدون للإنسحاب إلى الصمة (قريتها) والاعتصام بالمسجد، وبسبب الضباب الكثيف (ضع سطرا على ضباب كثيف) تاهت قوافل العدو المطارد لهم. فهل قرأت الطالبة جيدا أن هذه المعركة التي تحدث عنها "عبد العزيز وعلي" كانت في شهر أوت!!! والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح ويبحث عن إجابة مقنعة، فإن كان ولا بد أن محمدي السعيد أعطى أوامره بمهاجمة الدوار بسبب معركة وقعت على أرض بني يلمان بين جيش التحرير الوطني وجيش المصاليين، فلماذا لم يعطي أوامره لإبادة القرى والمداشر القبائلية التي وقعت على أرضها معارك ضارية وشرسة!!؟ وكم قرأنا وسمعنا من حجج تافهة واهية مردودة على أصحابها ويراد من خلالها تبرير الجريمة الشنعاء البشعة بحق أبرياء عزل، ومنها ما نقلته الطالبة من أن هناك من فرّ من الإجتماع لإبلاغ بلونيس والسلطات الفرنسية!! فنقول بشأن هذا فإن كانت الوجهة لإبلاغ الأول فهل تستطيع أن تقنعنا صاحبة المذكرة ماهو الوقت الذي سيتسغرقه الفارون إلى "دار الشيوخ" بالجلفة مقر بلونيس وقت وقوع الجريمة. وإن كانت الوجهة للثاني فسنقنعها أن قوات النقيب الفرنسي غامبيط البرية وطائرات الاحتلال كانت تؤمن وتحرس المكان للقتلة من الجنود والمدنيين من القرى المجاورة منفذي "الجريمة" التي ليست "تأديبية" كما تدعي، وقفزا عن الحقائق ومواصلة للكذب والتزوير ذكرت أن "الخونة" استقبلوا قوات بلونيس والقوات الفرنسية بالقول إن الحادثة كانت بسبب مسبلي ملوزة (ونوغة حاليا) ولهذا انتقم الجيش منهم وقتل 320!! وهنا نتفق معها في صحة هذا كون جميع رجال القرية تم إبادتهم يوم 28 ماي ولم يبقى سوى النساء والأطفال الذين كانوا حاملين السلاح في العملاء والحركى بمركز الـ SAS بأولاد ثاير، مع بقية القرى والمداشر هناك!!!! وقد دعمتهم فرنسا باستقدام 168 عاملا بالمهجر لا أكثر، ولست الوحيدة التي حاولت إيهامنا عددهم تجاوز ابـ 400 بل سبقك جودي أتومي الذي قال أنهم (1500) ولخضر بورڨعة الذي قال أن عددهم (2000)، في حين قال لوتشكيس أن استقدامهم كان من كل أوربا ولم يحدد عددهم فربما كان بالامكان أن يقدره بـ 4000 أو أكثر، ومن يدري!
وعن موقف ورد فعل فرنسا التي دبرت المؤامرة وخططت لها بإتقان، فقد استغلت الحادثة لتشويه صورة الثورة والقادة وبني يلمان معا أمام الرأي العام العالمي، وهو ما أكده كل من "باتريك إيفنو" و"جون بلانشايس" في كتابهما عندما قالا أن قضية ملوزة (بني يلمان) استغلت بصورة كبيرة من طرف الدعاية الفرنسية، حيث قامت بتفسير المجزرة على أن سكان ملوزة (بني يلمان) كانوا مؤيدين لفرنسا. لكن جبهة التحرير الوطني ودبلوماسييها طالبوا من هيئة الأمم المتحدة بنيويورك بأن تبلغ السلطات الفرنسية بإيفاد هيئة دولية لتحقق في الموضوع، بيد أن فرنسا رفضت الطلب الذي تقدمت به الجبهة، وهو ما جعلها تقول (أي الجبهة) بأن الجريمة لم ينفذها الجيش الفرنسي وإنما مرتزقة يعملون لصالح فرنسا.
ملاحظة: للموضوع مصادر ومراجع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق